قال الحسين ( ابن عطاء الآدمي ) في قوله: { وَلَمَّا جَــآءَ مُوسَىٰ لِمِيقَاتِنَا } قال :
أزال عنه التوقيف والترتيب
وجاء إلى الله على ما دعاه إليه وأراده له وأخذه عليه وأوجده منه وأظهره عليه
ببذل الجهد والطاقات وركوب الصعب والمشقات، فلما لم تبق عليه باقية بها يمتنع
أقيم مقام المواجهة والمخاطبة وأطلق مصطنعة لسانه بالمراجعة والمطالبة
أما سمعت قوله قبل هذه الحال طالبًا منه لما طولع بحال الربوبية وكوشف بمقام الإلهية
سائلاً حل عقدةٍ من لسانه ليكون - إذا كان ذلك - مالكًا لنطقه وبيانه.
المجيء إلى الله بالله :
وسأل موسى ربه شرح صدره ثم نظر إلى أليق الأحوال
وإذا هو تيسر أمره فسأل ذلك على التمام لتترقى به إلى حالة أرفع المقامات
وهو المجئ إلى الله بالله
لما علم أن من وصل إليه لم تعترض عليه عارضة
حينئذٍ صلح للمجئ إلى الله وحده بلا شريك ولا نظير
وكان ممن وَفَّى المواقيت حقها
وغابت عنه الأحوال فلم يرها وذهبت عن عينه وحضوره
وما عداها إلا ما كان للحق منه ومعه حتى تحقق بقوله :
{ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يٰمُوسَىٰ } [طه: 36]
المخاطبة على الكشف :
فهذا حال المجيء وهذا معنى قوله { وَلَمَّا جَــآءَ مُوسَىٰ لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ }
تفرد بكلامه لأنه كان قبل ذلك مكلمًا بالسر والسفرة والوسائط
فلما رقى الله به إلى المقام للأجل وحققه بالحال الأعظم الأرفع، خاطبه مكلمًا على الكشف
وغيَّبه عن كل عين رائية ومرئية وكل صورة مكونة ومنشئة إلا ما كان من المُكَلِّم والمُكَلَّم
وأفرد الله عبده بالشرف الأعظم فسمع خطابًا لا كالمخاطبات ومناج منه وله عند ذلك طلب
لا كالمطالبات، واقتضى من الله ما لم يكن قبل يقتضيه.
مقام أرني :
فلذلك سأل النظر إليه إذ رجع إلى حقيقته فرأى الله في كل منظور ومبصر
فلما تحققت له هذه الأحوال { قَالَ رَبِّ أَرِنِيۤ أَنظُرْ إِلَيْكَ } فإني في كل مرادي راجع إليك
أي أرني ما شئت فلست أرى غيرك مقابلي، إذ تحققت بما حققتنى به .
ألم يدل على ذلك خطابه ورجوعه إلى الله ..
إذ ذاك جوابه أرنى فإليك أنظر وأحضر ما شئت
فلست غيرك أحضر بعد أن تحققت منك بحالٍ توجب لي منك ذاك
وحق لمن تحقق بهذا وتمكن فيه أن ينفرد بسؤال لا تشاركه فيه الخليقة.
_________________
وإذا غلا شيء علي تركته .. فيكون أرخص ما يكون إذا غلا
إبراهيم بن أدهــــم