مصطفى فهمي المدير العام
عدد الرسائل : 939 مزاجي : الاوسمه : : تاريخ التسجيل : 13/03/2008
| موضوع: التصوف وتربية الشباب الخميس سبتمبر 12, 2013 11:21 am | |
|
- التصوف وتربية الشباب
ملخص بحث قدمه أ.د.عبدالسلام بديوي الحديثي في الملتقى الدولي التاسع (طرق الايمان وفقه التحرر) في الجمهورية الجزائرية والذي تقيمه وزارة الثقافة - المركز الوطني للبحوث في عصور ما قبل التاريخ - ويشرف عليه البرفسور زعيم خنشلاوي- قسطنطينة من 18-21- ديسمبر 2012.
تعريف الشباب: لابد لنا ونحن نتكلم عن الشباب - محور بحثنا - أن نعرج على التعاريف الواردة في هذا الباب - لغةً واصطلاحاً - وعلى رأي التصوف في تعريف الشباب .شاب لغة : من أدرك سن البلوغ ولم يصل إلى سن الرجولة .
وجاء في لسان العرب : الفتاءُ والحداثة . أما في معجم الفقهاء : شباب وشبان وشببة : من كان في سن التاسعة عشر إلى الثلاثين ، أو بين الثلاثين والأربعين. مما تقدم من تعاريف للشباب يتبين لنا أن ليس ثمة عمر محدد للشباب ، وإن حدده بعض علماء التربية وعلم النفس بمراحل عمرية بالسنين . ونرى هنا أن الشاب : هو كل من تمتع بالنشاط والصحة والحيوية والقوة ، بغض النظر عن السن بما لا يتجاوز الأربعين من العمر ، مؤيدين رأينا بالحديث الشريف عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : قال رسول الله : ما بعث الله نبياً إلا وهو شاب ، ولا أوتي عالم من علم إلا وهو شاب . ولقد بعث المصطفى وهو في سن الأربعين ، وبعث غيره من الأنبياء دون ذلك من العمر ، قال الله تعالى : وقالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم وقوله تعالى في يوسف : ولما بلغ أشده آتيناه حكماً وعلماً وكذلك نجزي المحسنين . قال الشيخ نجم الدين الكبرى : كما أن للحجاج مواقيت معينة يحرمون فيها ، فكذلك إلى الله ميقات ، وهي أيام الشباب من بلاغية الصورة إلى بلوغ الأربعين وهو حد بلاغية المعنى ، قال تعالى : حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة . عن واثلة بن الأسقع أن رسول الله قال : خير شبابكم من تشبه بكهولكم ، وشر كهولكم من تشبه بشبابكم رواه الطبراني والبزار ، ومن المعلوم أن الكهولة بعد الأربعين هي سن الرجولة الكاملة والعقل ، فمن تشبه بالكهولة فهو شاب ناضج امتلك صفات الرجولة والعقل والاتزان ، وهو المعني بحديث المصطفى : عجب ربك من شاب ليست له صبوة . قال ابن الجوزي البغدادي : في معرض حديثه عن الشباب : ( إن موسم الشباب هو الموسم الأعظم الذي يقع فيه الجهاد للنفس والهوى وغلبة الشيطان ، وبصيانته ، يحصل القرب من الله تعالى ، وبالتفريط فيه يقع الخسران العظيم ، وبالصبر فيه على الزلل يثنى على الصابرين،كما أثنى الله عز و جل على (يوسف) عليه السلام إذ لو زل من كان يكون ...)
وفي الاصطلاح الصوفي : يقول الشيخ ابن عربي : ( الشاب : هو المبتدئ في الطريق ، فما عنده خبر في المقامات ، فإنه في مقام السلوك ، فلا يعرف إلا ما ذاقه) . وابن عربي هنا يعني بهذا القول عمر السالك بين المبتدئ والمنتهي ، بين المريد المبتدئ والمنتهي الواصل إلى مقامات كبيرة - والله أعلم - فلا دخل للسنين في هذا ؛ لأن أهل التصوف يقولون : ( الطريق لمن صدق وليس لمن سبق ) فرب سالك يصل في يوم ما لم يصله عابد في أربعين سنة ، قال موسى بن علي : مشيت يوماً مع الجنيد فلما بلغ مسجد الشونيزية التفت إلينا ، ثم وقف وقال : ( يا معشر الشباب جدوا قبل أن تعجزوا ، واجتهدوا قبل أن تصبحوا أثراً بعد عين ، فإني تذكرت مجاهدات كانت لنا في المسجد تفتح في عيني بطالتي اليوم ) ، وقوله رضي الله عنه من باب التواضع ، وحث الشباب لاغتنام فرصة الشباب .
جيل الشباب وجيل الشيوخ: ثَمَّ اختلاف وتباين بين نظرة الشباب وبين الكهول والشيوخ ، وكذلك بين الشباب وآبائهم في نظرتهم إلى الأشياء ، وإلى التطور في كل جيل ، وهذه سنة الحياة ؛ ذلك لأن الشباب يميل إلى الحداثة ، وإلى كل ما هو جديد ، ويعشق التطور ، ويندفع إلى الأفكار الحديثة بحسناتها ومساوئها ، فما كنا نختلف به مع آبائنا في زماننا أصبح أبناؤنا يختلفون معنا فيه في زمانهم ؛ ذلك لأن كل قديم في زمانه جديد . إن علة الشباب اليوم تكمن في انحرافه عن الدين والأخلاق والقيم الاجتماعية الصحيحة ؛ لأن الأخلاق عماد كل مجتمع متطور ( إنما الأمم الأخلاق ما بقيت ) ولا نقصد بانحراف الأخلاق التحلل والإباحية والفساد الجنسي فقط ، بل كل ما هو معارض ومتقاطع مع ديننا الحنيف في التحليل والتحريم ، هذه الأخلاق التي أتمها وأكملها الكامل المكمل المصطفى الأعظم القائل : إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق وقد وصفه رب العزة ::جل :: بقوله : وإنك لعلى خلق عظيم .
دور التصوف: من الأمور التي تستدعي الانتباه ، أنه في زمن الضعف والفوضى وفساد الأخلاق ومآل الأمور إلى غير أهلها ، ينهض التصوف للتصدي لهذه الأمور ومعالجتها للعودة بالمجتمع إلى الطريق المستقيم ، على عكس ما يشاع من أن التصوف يزدهر في عصور التخلف والانحطاط ، ذلك لأن التصوف يبقى تماسكه قائماً وسلوكه سوياً في عصور التخلف وانفراط عقد المجتمع ، وهو المتصدي لها والجاد في إصلاحها ، وإن المتتبع لدور التصوف الإسلامي في المجتمعات الإسلامية في زمن الفتن والفوضى والاختلافات والاقتتال الطائفي أو العرقي ، يراه قد نأى بنفسه عن المشاركة فيها في كل العصور ، ولم نجد في تاريخنا في يوم من الأيام أن التصوف كان طرفاً في هذه الفتن في أي بلد من البلدان الإسلامية ، وعلى العكس من ذلك تراه أول من يتصدى للخطر الخارجي أو المحتل الأجنبي ، بل وينهض شيوخهم للدفاع عن الأوطان وقيادة المخلصين منهم لقتال المحتل ، وتاريخنا العربي الإسلامي شاهد على ذلك . المدرسة القادرية وإصلاح الشباب : إذا أردنا أن نستشهد بمثل من تاريخنا سنجد أن شيخ التصوف الإسلامي الشيخ عبد القادر الجيلاني - قدس سره - ( 470هـ / 561هـ ) حينما تصدر للإرشاد والدعوة إلى الله عام 521هـ كانت بغداد تعج بالمشاكل الدينية والسياسية والاجتماعية كظهور ( الباطنية ) الذين أثاروا الذعر في النفوس من اغتيالات وتهديد ، فاغتالوا كبار الناس من الوزراء والعلماء والصلحاء ، وأما المشاكل الاجتماعية فطالما تمرّد العيّارون واحتلوا أحياء بغداد ، واستعصوا على قوات الخلافة ، ولطالما اشتبك العامة مع غلمان الخليفة ، وحدوث الغلاء وفقدان الأقوات ، وفساد الولاة والقضاة ، فما كان منه إلا أن واجه الشيخ كل هذه الأمور بإجراءات وإصلاحات نلخصها في ما يلي : أولاً : طوّر المدرسة التي استلمها من شيخه أبي سعيد المخرمي ، ووسعها كثيراً ، وألحق بها المساكن لسكن الطلاب فيها ، وتقاطر الناس شباباً وشيوخاً عامة وخاصة لحضور مجالسه ، حتى زاد الحضور عن سبعين ألفاً . ثانياً : شنّ حملةً كبيرةً على ( علماء الدنيا ) ( .... يا جاهلاً بالحق أنتم أحق بالتوبة من هؤلاء العوام ) ، ونهى الطلاب الشباب أن يدرسوا على أيدي هؤلاء ( ... يا غلام لا تغتر بهؤلاء الجهّال بالله تعالى ، كل علمهم عليهم لا لهم ... ) . ثالثاً : هاجم المتعصّبين للمذاهب ، حيث يقول : ( دع عنك الكلام فيما لا يعنيك ، اترك التعصب في المذاهب ، واشتغل بشيء ينفعك في الدنيا والآخرة ) . رابعاً : انتقد الحكام وحذّر الناس من اتباع باطلهم وهاجمهم : (.. ويْحَكُم جعلتم الفرع أصلاً ، والمرزوق رازقاً والمملوك مالكاً ) . خامساً : محاربة النفاق والأخلاق الاجتماعية التي ساءت ، واعتبر مهمته محاربتها ، ودعا لإنصاف الفقراء والعامة ، واعتبر الاهتمام بهم من شروط الإيمان ، وفتح أبواب رباطه ومدرسته لهم من أكل ومنام ورعاية . لقد كان من نتائج هذه الإصلاحات أن ظهر جيل مؤمن موحد من الشباب معد إعداداً ديناً وروحياً وتربوياً ، كانت من نتائجه العظمى ظهور الجيل الذي ألحق الهزيمة بالصليبيين ، وتحرير بيت المقدس ، وبناء مجتمع فاضل متحضر نظيف كانت الشريعة هي الدستور الفاصل بين الناس . واليوم فبإمكان التيار الصوفي الصادق العامل وبمختلف الطرق أن ينهض بنفس المهمة ، وربما بهمة أكبر من تلك المهمة ، إذا ما أخذنا التطور العلمي وسرعة الاتصال والإيصال والإمكانات الأخرى بنظر الاعتبار ، دور التصوف في تربية الشباب
تربية روحية : ابتداءً يجب أن نعرف التربية الروحية ، فما هي التربية الروحية من وجهة نظر التصوف ؟ قال الشيخ أحمد الرفاعي الكبير قدس الله سره في تعريفه للتربية الروحية : ( هي تهذيب نفس الطالب ونقلها من الطمع إلى الزهد ، ومن البخل إلى السخاوة ، ومن الاعتراض إلى التسليم ، ومن التدبير إلى التفويض ، ومن الجهل إلى المعرفة ، ومن الكسل إلى العبادة ، ومن الكبر إلى التواضع .... ومن إيذاء الناس إلى نفعهم ... ) .ويقول الأستاذ محمد الفاتح شعيب : ( إن مصطلح التربية الروحية عند الصوفية عموماً يعني : تهذيب الروح ، وذلك باقتلاع جميع الصفات الأخلاقية المذمومة الكامنة فيها ، وإخلائها منها ، واستبدالها بغرس جميع الصفات والفضائل الأخلاقية المحمودة شرعاً وتحليتها بها ، وهذا ما يشير إليه القرآن الكريم في قوله تعالى : ونفس وما سواها ، فألهمها فجورها وتقواها هذا هو القاسم المشترك الأعظم بين جميع أهل التربية الصوفية ) . ومن المؤكد أن هناك اختلافا في وسائل التربية الروحية بين المدارس أو الطرق الصوفية في الدين الإسلامي ، كل حسب اجتهاده وتجربته ومرتبته . التربية الروحية وسائلها وأهدافها: المؤسسات التربوية والتعليمية والثقافية عموماً ، والمؤسسات والمعاهد الدينية خصوصاً تشترك في أن لها أركاناً يجب أن تقوم عليها ، وهي : أستاذ ، منهج ، طلاب ، ومكان مخصص يتلقى فيه الطلاب هذه العلوم . والمدارس الصوفية والربط لها عين الأركان ، فشيخ الطريقة هو أستاذها ومنهج الطريقة : في أذكارها وأورادها والإرشاد ، والوعظ هو منهجها الثابت ، والطلاب ويطلق عليهم المريدون ، والمكان المخصص هي : الربط أو الزوايا أو التكايا والخانقاه حسب اختلاف تسمياتها ، وميزة الصوفي السالك عن غير السالك ( أخذ البيعة أو العهد أو الخرقة ) وهو شرط أساسي للسلوك على يد شيخ عارف بالله .
فشيخ الطريقة : هو المرشد الروحي ، وهو الوارث المحمدي ، أخذ المشيخة من شيخه ، وشيخه أخذها من شيخه إلى الرسول الأكرم كما يقول أهل التصوف ، وكما يحتاج الطالب إلى أستاذ يعلمه العلوم المختلفة يحتاج المريد إلى مربي روحي عالم وارث للنبوة العلماء ورثة الأنبياء ، فهم أطباء القلوب ، وأطباء نفسانيون يعملون على شفاء المريد السالك من كافة الأمراض والبلايا بإذن الله تعالى ، يقول الشيخ ابن عربي : ( لا يصلح لتربية الخلق إلا من كانت صفاته من صفات الحق ) والطريق إلى الفضيلة لا يكون إلا بالسلوك على يد شيخ و ( في ولوج طريق الله تعالى بالعلم والعمل لتزكية النفس وتهذيب الأخلاق وتصفية القلب لذكر الله تعالى ) ، وأستاذ الطريقة هو الذي يتحقق فيه التأسي الكامل برسول الله المعلم الأول ، قال تعالى : لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة الذي تعامل مع الشباب تعاملاً تربوياً تعليمياً ونفسياً ، ولعل قصة ذلك الشاب الذي جاء إلى رسول الله وقال له : ( إإذن لي بالزنا ) خير دليل على هذه التربية والتزكية الروحية العالية ، ولقد تجلت التربية الروحية للنبي في كثير من الحوادث ، ففي نظرة واحدة للنبي يتغير المسلم من حال إلى حال ، من البغض إلى الحب ، ومن الجحود إلى الإيمان ، ومن العداوة إلى الألفة ، وربما حادثة ( حارثة ) ذلك الشاب الذي قال فيه : من أراد أن ينظر إلى عبد نور الله تعالى قلبه بالإيمان فلينظر إلى حارثة تدل دلالة واضحة على هذه التربية ، وقصته معروفة ، وكان يعاملهم - أي الشباب - ويستشيرهم في أمور المسلمين وهو الذي لا ينطق عن الهوى . وأما المريد أو الطالب - وهذا مبتغانا في هذا البحث - فهو الهدف الذي تقوم عليه مؤسسة التربية الروحية ؛ ذلك لأن الغالبية الغالبة من المريدين هم بمرحلة الشباب ، جاءوا وهم ( يريدون ويطلبون ) الحصول على هذه التربية الروحية التي لا يجدوها في مكان آخر للوصول إلى مرتبة الإحسان ، ولقد آمن الشباب برسول الله قبل الشيوخ ، ولقد أحصي عدد الصحابة وآل البيت الأطهار من الشباب الأعلام الفقهاء فقط في عهد النبي وكانوا أكثر من مائتي وعشرين صحابياً دون سن الخامسة والعشرين . ومن التربية الروحية للشباب ولفئتهم العمرية الممتلئة حيوية وطاقة ، تشجيعهم على العبادة والاستقامة فيها ، كوصية الشيخ محمد الكسنزان قدس الله سره للشباب ، حيث يقول لهم : إن الرسول يشهد لكم بأنكم أولياء ، تسألونني كيف ؟ أقول لكم إنه يقول : سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله .. ومنها والتي تشتركون مع أغلبها شاب نشأ في عبادة الله عز وجل والعرب تقول : أنا في ظل فلان : أي في ستره وكنفه ، وفي بعض الآثار : يَقُول الله : (( أيها الشاب التارك شهوته ، المتبذل شبابه من أجلي ، أنت عندي كبعض ملائكتي )) وفي شرح ابن بطال : قوله : سبعة يظلهم الله في ظله معناه : يسترهم في ستره ورحمته.
التصوف وتربية الشباب لحياة أفضل: يخطئ من يتصور بأن التصوف هو انعزال عن الحياة أو العزوف عنها ، والتوجه كلياً للعبادة والزهد فقط ( بل هو مشاركة إيجابية في مختلف الأنشطة والحرف والوظائف العامة ، مع المحافظة في نفس الوقت على آداب الشريعة الإسلامية ... إن التصوف الإسلامي أعظم القوى الروحية في العالم ، وأكبر الدعوات الانبعاثية في التاريخ ، وأهدى المناهج الخلقية والتربوية والإيمانية التي ترتكز عليها الأمم في نهضتها ، وتستند إليها الشعوب في وثبتها ، لتكون دليلاً ومرشداً للمسلم وهو يبني حياته بنفسه للغد العظيم ) ، فالتصوف الإسلامي عمل وسلوك وتطبيق ، ولقد عمد كبار المتصوفة إلى كسب رزقهم بأيديهم ، وأفنوا حياتهم في خدمة الناس ، رهباناً في الليل فرساناً في النهار ، لم ينعزلوا عن الحياة ، بل أخذوا منها للآخرة ، قال تعالى : وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وهذا ما كان يعمل به الرسول الأعظم وصحابته الكرام ، يقول حذيفة ابن اليمان رضي الله عنه : ( ليس خيركم الذين يتركون الدنيا للآخرة ، ولا الذين يتركون الآخرة للدنيا ، ولكن الذين يتناولون من كل ) ، وكثيراً ما يردد الشيخ محمد الكسنزان الحسيني لمريديه : ( الرجل رجل الدنيا والآخرة ) ويختم حديثه بالآية الكريمة : ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار . إن الدنيا وسيلة للحصول على الآخرة ، أليست كل الأعمال الصالحة في الدنيا ؟ وإن الإسلام يقرن الإيمان بالعمل الصالح ، حيث يقول أهل التصوف بضرورة الجمع بين الاعتقاد والعمل ، فقد أثر عن الشيخ الحسن البصري قدس الله سرهأنه قال : ( ليس الإيمان بالتمني ، ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل ، وإن قوماً خرجوا من الدنيا ولا عمل لهم ، وقالوا : نحن نحسن الظن بالله وكذبوا ، لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل ) ، إذن فإن مرتبة التربية الكاملة في التصوف تتحقق في الإنسان الذي يستطيع التوفيق بين الإيمان بما يتضمنه من أبعاد روحية وقلبية ، والعمل الدنيوي الذي يريد من ورائه صلاح نفسه ومجتمعه وتقدم أمته ، وصيغة هذا التوفيق يوضحها بشكل واضح سيدنا الشيخ عبد القادر الجيلاني قدس الله سره عندما يقول : ( الدنيا في اليد يجوز ، في الجيب يجوز ، ادخارها بنية صالحة يجوز ، أما في القلب لا يجوز ) . إن أقوال أهل التصوف في هذا المجال كثيرة لا مجال لذكرها ، ولكن يمكن القول أن أكثر الأشياء كراهة إلى أهل التصوف هي البطالة ، لذلك فيجب أن يشتغل المريد ولو بلسان رطب بذكر الله ، حتى لا يبقى عاطلاً برهة من الزمن . ونحن في هذا العصر ، علينا أن نوجه الشباب المؤمن السالك إلى أن يسهم إسهاماً فعالاً في كل حركة المجتمع ، العلمية والثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والفكرية إضافة إلى الدينية ، عليه التعامل مع الشبكة العنكبوتية والحاسوب والهاتف النقال والفن والأدب والهندسة والطب والقانون ، وكل ما هو وسيلة لتقدم المجتمع ، يؤدي إلى رفاهية الناس ما دام في حدود الشرع الحلال ، وباتجاه البناء لا الهدم ؛ لأن البناء الروحي هو الأساس الذي يعتمد عليه البناء العقلي والأمور الأخرى سلوكاً وفكراً وإحساساً ، نحن بحاجة إلى تربية الشباب تربية يمكنه فيها بناء مجتمع يشرق فيه العدل والحرية والطمأنينة والأخوة والصفاء ، تتحقق فيه إنسانية الإنسان لا فرق بين ذكر وأنثى ، ولا بين أسود وأبيض ،
| |
|