وقد ضرب الصحابة في ذلك أروع الأمثلة منها : أن خُبَيب بن عُديِ لما أراد أهل مكة صَلبُه ، قالوا لهُ ياخُبيِب أَيَسُركَ أَن مُحمَداً مكانك وأنك في أهلك مُنَعم " لأنه ماوصل إلي الَلب إلا بإتباعه للنبي صلي الله عليه وسلم " فقال خُبَيب رضي الله عنه واللهِ مايسُرني أني في أهلي مُنَعم ويُشاك رسولَ الله بِشوكة يُشاكها في قدمه " رواه البخاري" وقد وقف هذا الموقف الرهيب زيد بن الدئنة بنفس إجابة خُبيب حتي قال أبو سفيان : مارأيت من الناس أحداً يُحبُ أحداً كَحُب أصحابِ محمدٍ مُحمَدا ثم قتلوا زيداً ، فانظر أخي المُسلم إلي هذا الحُب وهذا التفاني وذلك الولاء وقوة العقيدة إنه وهو في مكانه البعيد عن رسول الله صلي الله عليه وسلم لا يرضي أن تمس رسول الله صلي الله عليه وسلم شوكة فضلاً عن أن يُصيبه الصلب والقتل .
وقد كان في الأوس والخزرج يتحدثون في ماقبل الإسلام بأنه مافيها من ولدٍ أبرَ بوالديه من عبد الله بن عبد الله بن سلول فلما جاء الإسلام مازاد الولد بأبيه إلا براً وقد كان الأب رأس المنافقين في المدينة وفي إحدي الغزوات قال الأب مُعلناً عن نفاقه : لإن رجعنا إلي المدينة لَيُخرِجَنَ الأعزُ منها الأذل فهو يري أنه الأعز ورسول الله هو والصحابة الأذل ، فبلغ ذلك رسول الله صلي الله عليه وسلم فغضب غضباً شديداً وبعث إلي ابنه عبد الله فأخبره بخبر أبيه فقال عبد الله : لقد صدق والله يارسول الله ليخرجن الأعزُ منها الأذل ، فلما رجعوا إلي المدينة وقف عبدالله علي باب المدينة شاهراً سيفه فلما جاء أبوه قال له : إليك ، لا والله لا تدخل حتي يأذن فيك رسول الله صلي الله عليه وسلم ، فوالله لاتشرب من مائها ولا يُؤوِيك ظِلُهَا حتي تعلم من هو الأعز ومن هو الأذل ، فجعل أبوه يقول ياقوم ابني يمنعني من دخول بيتي ، ولدي يحرمني من داري ، فلما جاء رسول الله صلي الله عليه وسلم أذن به فقال عبد الله لأبيه : والله لولا أن رسول الله صلي الله عليه وسلم أَذِنَ لَكَ مادخلتها ، ثم بعد ذلك أُشِيع في المدينة أن رسول الله صلي الله عليه وسلم يريد قتل بن سلول فجاء عبد الله إبنه إلي النبي صلي الله عليه وسلم فقال يارسول الله أنه بلغني أنك تُريدُ قتل بن سلول فإن كُنتُ فاعلاً فَمُرنِي به فأنا أحملُ إليك رأسِه ، فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم : " بل نترفق به ونُحسِن صُحبَته مابقي معنا " ، حقاً إنها صورة رائعة في صدق الإيمان حين يُصبِحَ الرسولَ أحبَ إليك من نفسك وأهلك وكل شئ .
وقصة المرأة الدينارية وهي إمرأة في غزوة أُحد قُتِل أبوها وأخوها وزوجها ، وكانت تقول : إنا لله وإنا إليه راجعون ، ماذا فعل رسول الله صلي الله عليه وسلم ؟ فقالوا : هو حيُ سالم فلما نظرت إليه قالت : كل مُصيبةُ بعدك جلل يارسول الله أي هينة قليلة .
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول للعباس عم النبي صلي الله عليه وسلم : لقد كان إسلامك أحبُ إليَ من إسلام أبي الخطاب لو أسلم ، فقال العباس : لِمَ ياعمر فقال عمر : لأ ن إسلامك كان أحب لرسول الله صلي الله عليه وسلم من إسلام الخطاب أبي أي أنه أحب ماأحب رسول الله صلي الله عليه وسلم ولو كان فيه هلاك أهله ونفسه .
وهذا عبدالله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعن أبيه يُحَدِث حديثاً عن رسول الله صلي الله عليه وسلم " لاتمنعوا النساء من الخروج إلي المساجد بالليل " فرد عليه إبنه بلال ابن عبد الله بن عمر بن الخطاب فقال : لانَدعَهُنَ يَخرُجنَ فيتَخِذهُ دغلاً، فقام إليه عبد الله فسبه وضربه علي صدره وقال : أقولُ قال رسول الله وتقول لانَدَعهُن ، فلم يكلمه حتي مات ، ورفض الخروج في جنازته وهو إبنه .
وهذه أُم عمارة نسيبة بنت كعب تدفع إبنها الصغير يومَ أُحد للدفاع عن رسول الله صلي الله عليه وسلم ولم تكتفي ولكنها حملت السيف ووقفت بجوار رسول الله صلي الله عليه وسلم تدافع عنه ، فاعترضت أحد صناديد الكُفر وهو يحاول قتلَ رسول الله صلي الله عليه وسلم فضربها علي عاتِقها ضربة تركت جرحاً أجوف وأصيبت بإثني عشر جرحاً يومها .
وقام أبو دُجانة أمام رسول الله صلي الله عليه وسلم يومها يوم أُحد فَتَرَس عليه بظهره والنَبل يقع عليه وهو لا يتحرك حتي كان كالقُنفد من كثرة النِبال التي في جسده وهو يقول بأبي أنت وأمي يارسول الله .
وهذه إمرأة تأتي بفلذة كبدها وولدها الوحيد إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم وهو خارج لغزوة أُحد فقالت له يارسول الله خذ ولدي هذا يقاتل معك فرده رسول الله لصغر سنه وهو زيد بن ثابت فحزنت أمه وقالت يارسول الله إستعمِله .
وهذا الإمام مالك رضي الله عنه يجلس لحديث رسول الله صلي الله عليه وسلم والناس تستمع له وكان حينها في مسجد الرسول صلي الله عليه وسلم وكان المسجد يومها مف
اً بالحصي والرمل ، فلدغه عقرب ست لدغات وهو يتململ في مكانه ، ولا يقطع حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم فلما إنتهي من الدرس قال : إنظروا ماكان يؤذيني ؟ فنظروا فإذا بست لدغات والعقرب في الرمل تحته فقالوا : رحمك الله ، يلدغك العقرب ولا تتحرك ؟ فقال : كرهتُ أن أقطع حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم .
وقد كان الصحابة والتابعون يشتدون ويغلِظون علي من خالف حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم ويُعظمون عليه النكير ، فهذا عبدُ الله بن عباس رضي الله عنه أفتي في الناس بسنة النبي صلي الله عليه وسلم : أنه يجوز أن يفسخ الحج إلي عُمرة ويتمتع بالعُمرة إلي الحج . فقالوا له : إن أبا بكر وعمر يقولان خِلاف ذلك . فقال بن عباس : يوشك أن تنزل عليكم حجارةً من السماء ، أقولُ لكم : قال رسول الله وتقولون قال أبو بكر وعمر .
وهاهو الصحابي الجليل عبد الله بن مغفل رأي ابن أخيه يخذف " الخذف هو رمي الحصي الصغير بأطراف الأصابع" فنهاه وقال له : أن رسول الله صلي الله عليه وسلم نهي عن الخذف وإنه صلي الله عليه وسلم قال " إنه لايرد الصيد ولاينكأ العدو ولكنه قد يكسر السن ويفقأ العين " فرآه بعد ذلك يخذف فقال رضي الله عنه أحدثك عن رسول الله صلي الله عليه وسلم ثم تخذف والله لاأكلمك أبداً . وللحديث بقية إن كان في العمر بقية .