فى المزامير المنسوبة إلى داود عليه السلام وردت كثير من العبارات التى لا يصح حمل معناها إلا على رسول الإسلام. ومن ذلك قول داود كما تروى التوراة:
" أنت أبرع جمالاً من بنى البشر. انسكبت النعمة على شفتيك، لذلك باركك الله إلى الأبد. تقلد سيفك على فخذك أيها الجبار ، جلالك وبهاؤك. وبجلالك اقتحم. اركب من أجل الحق والدعة.. بتلك المسنونة فى قلب أعداء الملك - يعنى الله - شعوب تحتك يسقطون.. من أجل ذلك مسحك الله إلهك بدهن الابتهاج أكثر من رفقائك " (7).
اسمعى يانيت وأميلى أذنك ، وانسى شعبك وبيت أبيك ، فيشتهى الملك الملك حسنك ؛ لأنه هو سيدك فاسجدى له. وبنت صور أغنى الشعوب تترضى وجهك بهدية. كلها مجد ابنة الملك فى خدرها. منسوجة بذهب ملابسها مطرزة ، تحضر إلى الملك فى إثرها عذارى صاحباتها مقدمات إليك يحضرن بفرح وابتهاج يدخلن إلى قصر الملك. عوضاً عن آبائك يكون بنوك نقيمهم رؤساء فى كل الأرض اذكر اسمك فى كل دور فدور من أجل ذلك تحمدك الشعوب إلى الدهر والآبد "
وقفة مع هذا الكلام
فى المقطع الأول (أ) لا تنطبق الأوصاف التى ذكرها داود إلا على رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم. فهو الذى قاتل بسيفه فى سبيل الله وسقطت أمامه شعوب عظيمة كالفرس والروم.
وهو الممسوح بالبركة أكثر من رفقائه الأنبياء ؛ لأنه خاتم النبيين ، ورسالته عامة خالدة (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) (
.
ولم يترك رسول هدى وبيانا مثلما ترك رسول الإسلام فى القرآن الحكيم ، وفى أحاديثه وتوجيهاته ، التى بلغت مئات الآلاف ، وتعددت المصادر التى سجلتها ، وفيها من روائع البيان ، وصفاء الألفاظ ، وشرف المعانى ما ليس فى غيرها.
أما المقطع الثانى (ب) فهو أوصاف للكعبة الشريفة. فهى التى تترضاها الأمم بالهدايا. وهى ذات الملابس المنسوجة بالذهب والمطرزة ، وهى التى يذكر اسمها فى كل دور فدور وتأتيها قوافل" الحجيج " رجالاً ونساءً من كل مكان فيدخل الجميع فى " قصر الملك " ويحمدها الناس إلى الأبد ؛ لأن الرسالة المرتبطة بها رسالة عامة: لكل شعوب الأرض الإنس والجن. بل والملائكة. وفى مواسم الحج يأتيها القاصدون من جميع بقاع الأرض مسلمين ، ورعايا مسلمين من بلاد ليست مسلمة.
خالدة: لم ينته العمل بها بوفاة رسولها ، كما هو الحال فيما تقدم. وإنما هى دين الله إلى الأبد الأبيد.
وأشعيا وسفره من أطول أسفار العهد القديم ملئ بالإشارات الواضحة التى تبشر برسول الإسلام صلى الله عليه وسلم ، ولولا المنهج الذى أخذنا به هنا وهو عدم التطويل لذكرنا من ذلك الكثير ؛ ولذا فإننا نكتفى بهذا المقطع لدلالته القوية على ما نقول:
" قومى استنيرى ؛ لأنه قد جاء نورك ، ومجد الرب أشرق عليك.. لأنه ها هى الظلمة تغطى الأرض والظلام الدامس الأمم. أما عليك فيشرق الرب ، ومجده عليك يرى. فتسير الأمم فى نورك ، والملوك فى ضياء إشراقك.
ارفعى عينيك حواليك وانظرى. قد اجتمعوا كلهم جاءوا إليك. يأتى بنوك من بعيد ، وتحمل بناتك على الأيدى ، حينئذ تنظرين وتنيرين ويخفق قلبك ويتسع ؛ لأنه تحول إليك ثروة البحر ، ويأتى إليك غنى الأمم تغطيك كثرة الجمال بكران مديان ، وعيفة كلها تأتى من شبا. تحمل ذهبا ولبانا ، وتبشر بتسابيح الرب. كل غنم قيدار تجتمع إليك. كباش نبايوت تخدمك تصعد مقبولة على مذبحى ، وأزين بيت جمالى.
من هؤلاء الطائرون كسحاب وكالحمام إلى بيوتها. إن الجزائر تنتظرنى وسفن ترشيش فى الأول لتأتى من بعيد ، وفضتهم وذهبهم معهم لا سم الرب إلهك … (9).
وبنو الغريب يبنون أسوارك ، وملوكهم يخدمونك.. وتفتح أبوابك دائما نهاراً وليلاً لا تغلق ، ليؤتى إليك بغنى الأمم وتقاد ملوكهم... (10).
دلالة هذه النصوص:
بلا أدنى ريب فإن هذا الكلام المنسوب إلى أشعيا وصف لمكة المكرمة وكعبتها الشامخة.
فالمقطع الأول إنما هو حديث عن موسم الحج المبارك فيه يجتمع بنوها حولها من كل مكان وفيه لمحة قوية جداًُ إلى نحر الهدى صبيحة العيد. ألم يشر النص إلى غنم قيدار ، وقيدار هوولد إسماعيل عليه السلام الذى تشعبت منه قبائل العرب. ثم ألم ينص على المذبح الذى تنحر عليه الذبائح ؟
كما أشار النص ثلاث إشارات تعد من أوضح الأدلة على أن المراد بهذا النص مكة المكرمة. وتلك الإشارات هى طرق حضور الحجاج إليها. ففى القديم كانت وسائل النقل: ركوب الجمال. ثم السفن. أما فى العصر الحديث فقد جدت وسيلة النقل الجوى " الطائرات " وبشارة أشعيا تضمنت هذه الوسائل الثلاث على النحو الآتى:
1- الجمال ، قال فيها: تغطيك كثرة الجمال.؟!
2- السفن ، قال فيها: وسفن ترشيش تأتى ببنيك من بعيد ؟!
3- النقل الجوى ، وفيه يقول: من هؤلاء الطائرون كسحاب وكالحمام إلى بيوتها. ؟!!
أليس هذا أوضح من الشمس فى كبد السماء.
على أن النص ملئ بعد ذلك بالدقائق والأسرار ، ومنها أن مكة مفتوحة الأبواب ليلاً ونهاراً لكل قادم فى حج أو عمرة.. ؟!
ومنها أن خيرات الأمم تجبى إليها من كل مكان ، والقرآن يقرر هذا المعنى فى قول الله تعالى:
(أولم نمكن لهم حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شىء ) (11).
ومنها أن بنى الغريب (يعنى غير العرب) يبنون أسوارها. وكم من الأيدى العاملة الآن ، وذوى الخبرات يعملون فيها ويشيدون قلاعها فوق الأرض وتحت الأرض ومنها أنه ما من عاصمة من عواصم العالم إلا دخلت فى محنة من أهلها أو من غير أهلها إلا هذه " العاصمة المقدسة " فظلت بمأمن من غارات الغائرين وكيد الكائدين ، ومثلها المدينة المنورة.
ومنها كثرة الثروات التى مَنَّ الله بها عليها. أليس البترول من ثروات البحر العظمى التى تفجرت أرض الحجاز وشبه الجزيرة منه عيوناً دفاقة بمعدل لم تصل إليه أمة من الأمم. أضف إلى ذلك سبائك الذهب والفضة.
والحديث عن مكة المكرمة حديث عن رسول الإسلام ؛ لأن مجدها لم يأت إلا على يدى بعثته صلى الله عليه وسلم.
هذه الحقائق لا تقبل الجدل. ومع هذا فإن أهل الكتاب (وخاصة اليهود) يحملون هذه الأوصاف على مدينة " صهيون " ولهذا فإنهم عمدوا إلى النص وعدلوه ليصلح لهذا الزعم.
ولكننا نضع الأمر بين يدى المنصفين من كل ملة. أهذه الأوصاف يمكن أن تطلق على مدينة " صهيون ".
لقد خرب " بيت الرب " فى القدس مراراً وتعرض لأعمال شنيعة على كل العصور. أما الكعبة الشريفة والمسجد الحرام فلم يصل أحد إليهما بسوء ، ثم أين ثروات البحر والبر التى تجبى إلى تلك المدينة وأهلها (إلى الآن) يعيشون عالة على صدقات الأمم.
وأين هى المواكب التى تأتى إليها براً وبحراً وجَوّاً ، وهل أبوابها مفتوحة ليلاً ونهاراً ، وأين هم بنوها الذين اجتمعوا حولها.
وما صلة غنم قيدار وكباش مدين بها. وأين هو التسبيح الذى يشق عنان السماء منها.. وأين.. وأين..؟
إن هذه المغالطات لا تثبت أمام قوة الحق ، ونحن يكفينا أن نقيم هذه الأدلة من كتبهم على صدق الدعوى ، ولا يهمنا أن يذعن القوم لما نقول فحسبك من خصمك أن تثبت باطل ما يدعيه أمام الحق الذى تدافع عنه.
والفاصل بيننا ـ فى النهاية ـ هو الله الذى لا يُبدل القول لديه.
وتنسب التوراة إلى نبى يدعى " حبقوق " من أنبياء العهد القديم ، وله سفر صغير قوامه ثلاثة إصحاحات. تنسب إليه التوراة نصوصاً كان يصلى بها. تضمنها الإصحاح الثالث من سفره. وهذا الإصحاح يكاد يكون كله بشارة برسول الإسلام صلى الله عليه وسلم. وإليكم مقاطع منه: " الله جاء من تيمان ، والقدوس من جبل فاران ـ سلاه ـ جلاله غطى السماوات. والأرض امتلأت من تسبيحه وكان لمعان كالنور له من يديه شعاع ، وهناك استتار قدرته.
قدامه ذهب الوبأ. وعند رجليه خرجت الحمى. وقف وقاس الأرض ، نظر فرجف الأمم ودكت الجبال الدهرية ، وخسفت آكام القوم.
مسالك الأزل
يسخط دست الأمم ، خرجت لخلاص شعبك 000 سحقت رأس بيت الشرير معرياً الأساس حتى العنق 000 سلكت البحر بخيلك..(12).
دلالات هذه الإشارات:
لا يستطيع عاقل عالم بتاريخ الرسالات ومعانى التراكيب أن يصرف هذه النصوص على غير البشارة برسول الإسلام صلى الله عليه وسلم. فالجهتان المذكورتان
فى مطلع هذا المقطع وهما: تيمان: يعنى اليمن ، وجبل فاران: يعنى جبل النور الذى بمكة المكرمة التى هى فاران. هاتان الجهتان عربيتان. وهما رمز لشبه الجزيرة العربية التى كانت مسرحاً أولياً لرسالة محمد صلى الله عليه وسلم.
فليس المراد إذن نبياً من بنى إسرائيل ؛ لأنه معلوم أن رسل بنى إسرائيل كانت تأتى من جهة الشام شمالاً. لا من جهة بلاد العرب. وهذه البشارة أتت مؤكدة للبشـارة المماثلة ، التى تقدم ذكرها من سفر التثنية ، وقد ذكرت أن الله: تلألأ أو استعلن من جبل فاران.
بيد أن بشارة التثنية شملت الإخبار بمقدم موسىعليه السلام والتبشير بعيسى عليه السلام وبمحمد صلى الله عليه وسلم أما بشـارة حبقوق فهى خاصة برسول الإسلام صلى الله عليه وسلم. ولو لم يكن فى كلام حبقوق إلا هذا " التحديد " لكان ذلك كافياً فى اختصاص بشارته برسول الإسلام صلى الله عليه وسلم ومع هذا فقد اشتمل كلام حبقوق على دلائل أخرى ذات مغزى:
منها: الإشارة إلى كثرة التسبيح حتى امتلأت منه الأرض.. ؟!
ومنها: دكه صلى الله عليه وسلم لع
الظلم والطغيان وقهر الممالك الجائرة.
ومنها: أن خيل جيوشه ركبت البحر ، وهذا لم يحدث إلا فى ظل رسالة الإسلام.
على أن كلام حبقوق ملئ بالرمز والإشارات مما يفيدنا فى هذا المجال ولكننا نتجاوزه لأمرين:
أحدهما: أن فى الإشارات الصريحة غناء عنها.
وثانيهما: عدم التطويل ـ هنا ـ كما اتفقنا.
بشاراته صلى الله عليه وسلم فى العهد الجديد
أسفار العهد الجديد (الأناجيل والرسائل) حافلة بالنصوص التى يتعين أن تكون " بشارات " برسول الإسلام صلى الله عليه وسلم.
تلك البشـارات تعـلن أحياناً فى صورة الوعـد بملكوت الله أو ملكوت السماوات. وأحيانا أخـرى بالـروح القـدس. ومرات باسـم المعـزى أو الفارقليط ، وهى كلمة يونانية سيأتى فيما بعد معناها ، تلك هى صورة البشارات فى الأناجيل فى صيغها المعروفة الآن.
ففى إنجيل متى وردت هذه العبارة مسـندة إلى يحيى عليه السلام المسمى فى الأناجيل: يوحنا المعمدان. وفيها يقول: " توبوا ؛ لأنه قد اقترب ملكوت السماوات " (13).
فمن هو ملكوت السماوات الذى بشر به يحيى ؟! هل هو عيسى عليه السلام ـ كما يقول النصارى..؟!
هذا احتمال.. ولكن متَّى نفسه يدفعه حيث روى عن عيسى عليه السلام نفس العبارة: " توبوا ؛ لأنه قد اقترب ملكوت السماوات " (14).
فلـو كان المراد بملكـوت السماوات ـ هذه ـ عيسى عليه السلام لما وردت هذه " البشارة " على لسان عيسى ؛ إذ كيف يبشر بنفسه ، وهو قائم موجود ، والبشـارة لا تكون إلا بشئ محـبوب سيأتى ، كما أن الإنذار ـ قسيمه ـ لا يكون إلا بشىء " مكروه " قد يقع. فكلاهما: التبشير والإنذار ـ أمران مستقبلان.
إن ورود هذه العبارة عن عيسى نفسه تخصيص لذلك العموم المستفاد من عبارة يحيى عليهما السلام. فدل ذلك على أن المراد بملكوت السماوات رسول آخر غير عيسى. ولم يأت بعد عيسى ـ باعتراف الجميع ـ رسول غير رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم.
فدل ذلك على أنه هو المراد بملكوت السماوات فى عبارة عيسى عليه السلامـ قولاً واحداً ـ وباحتمال أرجح فى عبارة يحيى ،إذ لا مانع عندنا ـ أن يكون يحيى عليه السلام قد بشر بها بعيسى عليه السلام.
أما بشارة عيسى فلا موضع لها إلا الحمل ـ القطعى ـ على رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم.
وفى صيغة الصلاة التى علمها المسيح لتلاميذه ـ كما يروى مَتَّى نفسه ـ بشارة أخرى بنبى الإسـلام. وهذا هو نص مَتَّى فى هذا " فصلوا أنتم هكذا: أبانا الذى فى السماوات ليتقدس اسمك ليأت ملكوتك " (15).
ووردت هذه الصيغة فى إنجيل لوقا هكذا: