قال المفسّرون: قدم وفد نجران، وكانوا ستين راكبًا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيهم أربعة عشر رجلا من أشرافهم، وفي الأربعة عشر ثلاثة نفر إليهم يؤول أمرهم، "فالعاقب" أمير القوم وصاحب مَشُورتهم الذي لا يصدرون إلا عن رأيه واسمه: عبد المسيح، و"السيد" إمامهم وصاحب رحلهم واسمه: الأيهم، "وأبو حارثة بن علقمة" أسقفهم وحبرهم، وإمامهم وصاحب مدراسهم، وكان قد شرف فيه ودرس كتبهم حتى حسن علمه في دينهم، وكانت ملوك الروم قد شرفوه ومولوه وبنوا له الكنائس لعلمه واجتهاده، فقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخلوا مسجده حين صلى العصر، عليهم ثياب الحبرات جُبّات وأردية في جَمال رجال بين الحارث بن كعب، يقول بعض من رآهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما رأينا وفدًا مثلهم، وقد حانت صلاتهم، فقاموا فصلوا في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دعوهم" فصلوا إلى المشرق، فكلم السيد والعاقب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أسلما"، فقالا قد أسلمنا قبلك، قال: "كذبتما منعكما من الإسلام دعاؤكما لله ولدًا، وعبادتكما الصليب، وأكلكما الخنـزير"، قالا إن لم يكن عيسى ولد الله فمن أبوه؟ وخاصموه جميعا في عيسى، فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم: "ألستم تعلمون أنه لا يكون ولد إلا وهو يشبه أباه؟" قالوا: بلى، قال: "ألستم تعلمون أن ربنا حي لا يموت، وأن عيسى أتى عليه الفناء؟ " قالوا: بلى، قال: "ألستم تعلمون أن ربنا قيم على كل شيء يحفظه ويرزقه؟" قالوا: بلى، قال: "فهل يملك عيسى من ذلك شيئا؟" قالوا: لا قال: "فإن ربنا صوّر عيسى في الرحم كيف شاء، وربنا لا يأكل ولا يشرب ولا يحدث" قالوا: بلى، قال: "ألستم تعلمون أن عيسى حملته أمه كما تحمل المرأة، ثم وضعته كما تضع المرأة ولدها، ثم غذي كما يغذّى الصبي، ثم كان يطعم ويشرب ويحدث؟" قالوا: بلى، قال: "فكيف يكون هذا كما زعمتم؟" فسكتوا، فأنـزل الله عز وجل فيهم صدر سورة آل عمران إلى بضعة وثمانية آية منها.
قوله تعالى: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ الآية 12 .
قال الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس: أن يهود أهل المدينة قالوا لما هزم الله المشركين يوم بدر: هذا والله النبيّ الأميّ الذي بشَّرنا به موسى، ونجده في كتابنا بنعته وصفته، وأنه لا ترد له راية، فأرادوا تصديقه واتباعه، ثم قال بعضهم لبعض: لا تعجلوا حتى ننظر إلى وقعة له أخرى فلما كان يوم أُحد ونكب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم شكوا، وقالوا: لا والله ما هو به، وغلب عليهم الشقاء فلم يسلموا، وكان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلى مدة، فنقضوا ذلك العهد، وانطلق كعب بن الأشرف في ستين راكبًا إلى أهل مكة أبي سفيان وأصحابه فوافقوهم وأجمعوا أمرهم، وقالوا: لتكونن كلمتنا واحدة، ثم رجعوا إلى المدينة، فأنـزل الله تعالى فيهم هذه الآية.
وقال محمد بن إسحاق بن يسار: لما أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشا ببدر، فقدم المدينة جمع اليهود وقال: يا معشر اليهود احذروا من الله مثل ما نـزل بقريش يوم بدر، وأسلموا قبل أن ينـزل بكم ما نـزل بهم، فقد عرفتم أني نبيّ مرسل، تجدون ذلك في كتابكم وعهد الله إليكم، فقالوا: يا محمد، لا يغرَّنّك أنك لقيت قومًا أغمارًا لا علم لهم بالحرب، فأصبت فيهم فرصة، أما والله لو قاتلناك لعرفت أنا نحن الناس، فأنـزل الله تعالى: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا يعني اليهود سَتُغْلَبُونَ تهزمون وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ في الآخرة، هذه رواية عكرمة وسعيد بن جبير عن ابن عباس.
قوله تعالى: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ 18 .
قال الكلبي: لما ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة قدم عليه حبران من أحبار أهل الشام، فلما أبصرا المدينة، قال أحدهما لصاحبه: ما أشبه هذه المدينة بصفة مدينة النبي الذي يخرج في آخر الزمان، فلما دخلا على النبي صلى الله عليه وسلم عرفاه بالصفة والنعت، فقالا له: أنت محمد؟ قال: "نعم"، قالا وأنت أحمد؟ قال: "نعم"، قالا إنا نسألك عن شهادة، فإن أنت أخبرتنا بها آمنا بك وصدقناك، فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سلاني"، فقالا أخبرنـا عن أعظم شهادة في كتاب الله فأنـزل الله تعالى على نبيه: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ فأسلم الرجلان وصدّقا برسول الله صلى الله عليه وسلم.
قوله تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ الآية 23 .
اختلفوا في سبب نـزولها، فقال السدي: دعا النبي صلى الله عليه وسلم اليهود إلى الإسلام فقال له النعمان بن أوفى: هلم يا محمد نخاصمك إلى الأحبار، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بل إلى كتاب الله"، فقال: بل إلى الأحبار، فأنـزل الله تعالى هذه الآية.
وروى سعيد بن جبير وعكرمة عن ابن عباس قال: دخـل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت المدراس على جماعة من اليهود، فدعاهم إلى الله، فقال له نعيم بن عمرو والحارث بن زيد: على أيّ دين أنت يا محمد؟ فقال: "على ملة إبراهيم"، قالا إن إبراهيم كان يهوديًّا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فهلموا إلى التوراة فهي بينا وبينكم فأبيا عليه"، فأنـزل الله تعالى هذه الآية.
وقال الكلبي: نـزلت في قصة اللذين زنيا من خيبر، وسؤال اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم عن حد الزانيين، وسيأتي بيان ذلك في سورة المائدة إن شاء الله تعالى.
قوله تعالى: قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ الآية 26 .
قال ابن عباس وأنس بن مالك: لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ووعد أمته ملك فـارس والروم، قالت المنافقون واليهود: هيهات هيهات، من أين لمحمد ملك فارس والروم هم أعزّ وأمنع من ذلك، ألم يكفِ محمدًا مكـة والمدينة حتى طمع في ملك فارس والروم؟! فأنـزل الله تعالى هذه الآية.
أخبرني محمد بن عبد العزيز المروزي في كتابه، أخبرنا أبو الفضل محمد بن الحسين الحدادي، أخبرنا محمد بن يحيى، أخبرنا إسحاق بن إبراهيم، أخبرنا روح بن عبادة حدثنا سعيد عن قتادة قـال: ذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل ربه أن يجعل ملك فـارس والروم في أمتـه، فأنـزل الله تعالى: قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ الآية.
حدثنا الأستاذ أبو إسحاق الثعالبي، أخبرنا عبد الله بن حامد الوزان، أخبرنا محمد بن جعفر المطيري قال: قال حماد بن الحسن: حدثنا محمد بن خالد بن عثمة، حدثنا كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف، حدثني أبي عن أبيه قال: خطّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على الخندق يوم الأحزاب، ثم قطع لكل عشرة أربعين ذراعًا، قال عمرو بن عوف: كنت أنا وسلمان وحُذيفة والنعمان بن مقرن المزني وستة من الأنصار في أربعين ذراعًا، فحفرنا حتى إذا كنا تحت ذي ناب، أخرج الله من بطن الخندق صخرة مروة كسرت حديدنا وشقت علينا، فقلنا: يا سلمان ارق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره خبر هذه الصخرة، فإما أن نعدل عنها، وإما أن يأمرنا فيها بأمره، فإنا لا نحب أن نجاوز خطه.
قال: فرقي سلمان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ضارب عليه قبة تركية، فقال: يا رسول الله خرجت صخرة بيضاء مروة من بطن الخندق فكسرت حديدنا وشقّت علينا حتى ما يحيك فيها قليل ولا كثير، فمرنا فيها بأمر، فإنا لا نحب أن نجاوز خطك، قال: فهبط رسول الله صلى الله عليه وسلم مع سلمان الخندق والتسعة على شفة الخندق، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم المعول من سلمان فضربها ضربة صدعها، وبرق منها برق أضاء ما بين لابتيها، يعني المدينة، حتى كأن مصباحًا في جوف بيت مظلم.
وكبَّر رسول الله صلى الله عليه وسلم تكبير فتح، وكبَّر المسلمون، ثم ضربها رسول الله صلى الله عليه وسلم الثانية فكسرها، وبرق منها برق أضاء ما بين لابيتها حتى كأن مصباحًا في جوف بيت مظلم، وكبَّر رسول الله صلى الله عليه وسلم تكبير فتح، وكبَّر المسلمون، ثم ضـربها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبـرق منها بـرق أضاء ما بين لابيتهـا، حتى كأن مصباحًا في جوف بيت مظلم، وكبَّر رسول الله صلى الله عليه وسلم تكبير فتح وكبَّر المسلمون، وأخذ يد سلمان ورقي، فقـال سلمان: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، لقد رأيت شيئًا ما رأيت مثله قط، فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى القوم فقال: "رأيتم ما يقول سلمان؟"، قالوا: نعم يـا رسول الله، قـال: "ضربتُ ضربتي الأولى فبرق الذي رأيتم أضاءت لي منها قصور الحيرة ومدائن كسرى كأنها أنياب الكلاب.
وأخبرني جبريل عليه السلام أن أمتي ظاهرة عليها، ثم ضربت ضربتي الثانية فبرق الذي رأيتم، أضاءت لي منها القصور الحمر من أرض الروم كأنها أنياب الكلاب، وأخبرني جبريل عليه السلام أن أمتي ظاهرة عليها، ثم ضربت ضربتي الثالثة فبرق الذي رأيتم أضاءت لي منها قصور صنعاء كأنها أنياب الكلاب. وأخبرني جبريل عليه السلام أن أمتي ظاهرة عليها، فأبشروا"، فاستبشر المسلمون وقالوا: الحمد لله موعد صدق وعدنا النصر بعد الحفر، فقال المنافقون: ألا تعجبون يمنِّيكم ويعدكم الباطل، ويخبركم أنه يبصر من يثرب قصور الحيرة ومدائن كسرى وأنها تفتح لكم، وأنتم إنما تحفرون الخندق من الفَرَق، ولا تستطيعون أن تبرزوا؟ قال: فنـزل القرآن: وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلا غُرُورًا [الأحزاب: 12]. وأنـزل الله تعالى في هذه القصة قوله: قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ الآية .
قوله تعالى: لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ 28 .
قال ابن عباس: كان الحجاج بن عمرو وكهمس بن أبي الحقيق وقيس بن زيد - وهؤلاء كانوا من اليهود يباطنون نفرًا من الأنصار ليفتنوهم عن دينهم - فقال رفاعة بن المنذر وعبد الله بن جبير وسعيد بن خيثمة لأولئك النفر: اجتنبوا هؤلاء اليهود واحذروا لزومهم ومباطنتهم لا يفتنوكم عن دينكم، فأبى أولئك النفر إلا مباطنتهم وملازمتهم، فأنـزل الله تعالى هذه الآية.
وقال الكلبي: نـزلت في المنافقين: عبد الله بن أبيّ وأصحابه، كانوا يتولون اليهود والمشركين ويأتونهم بالأخبار ويرجون أن يكون لهم الظفر على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنـزل الله تعالى هذه الآية، ونهى المؤمنين عن مثل فعلهم.
وقال جويبر عن الضحاك عن ابن عباس: نـزلت في عبادة بن الصامت الأنصاريّ وكان بدريًّا نقيبًا، وكان له حلفاء من اليهود، فلما خرج النبي صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب. قال عبادة: يا نبي الله إن معي خمسمائة رجل من اليهود، وقد رأيت أن يخرجوا معي فـأستظهر بهم على العدو، فأنـزل الله تعالى: لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ الآية.
قوله تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ الآية 31 .
قال الحسن وابن جريج: زعم أقوام على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم يحبون الله، فقالوا: يا محمد إنا نحب ربنا فأنـزل الله تعالى هذه الآية.
وروى جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال: وقف النبي صلى الله عليه وسلم على قريش وهم في المسجد الحرام، وقد نصبوا أصنامهم وعلقوا عليها بيض النعام، وجعلوا في آذانها الشنوف والقرطة، وهم يسجدون لها، فقال: "يا معشر قريش لقد خالفتم ملة أبيكم إبراهيم وإسماعيل، ولقد كانا على الإسلام"، فقالت قريش: يا محمد إنما نعبد هذه حبا لله ليقربونا إلى الله زلفى، فأنـزل الله تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ وتعبدون الأصنام لتقربكم إليه فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ "فأنا رسوله إليكم وحجته عليكم، وأنا أولى بالتعظيم من أصنامكم.
وروى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس: أن اليهود لما قالوا: نحن أبناء الله وأحباؤه، أنـزل الله تعالى هذه الآية؛ فلما نـزلت عرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم على اليهود، فأبوا أن يقبلوها.
وروى محمد بن إسحاق بن يسار عن محمد بن جعفر بن الزبير قال: نـزلت في نصارى نجران، وذلك أنهم قالوا: إنما نعظم المسيح ونعبده حبًّا لله وتعظيمًا له، فأنـزل الله تعالى هذه الآية ردًّا عليهم.
قوله تعالى: إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ الآية 59 .
قال المفسرون: إن وفد نجران قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ما لك تشتم صاحبنا؟ قال: "وما أقول؟" قالوا: تقول: إنه عبد، قال: "أجل إنه عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى العذراء البتول"، فغضبوا وقالوا: هل رأيت إنسانًا قط من غير أب؟ فإن كنت صادقًا فأرنا مثله، فأنـزل الله عز وجل هذه الآية.
أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد الحارثي قال: أخبرنا عبد الله بن محمد بن جعفر، أخبرنا أبو يحيى الرازي، أخبرنا سهل بن عثمان، أخبرنا يحيى ووكيع، عن مبارك، عن الحسن قال: جاء راهبا نجران إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فعرض عليهما الإسلام، فقال أحدهما: إنا قد أسلمنا قبلك، فقال: "كذبتما إنه يمنعكما من الإسلام ثلاثة: عبادتكم الصليب، وأكلكم الخنـزير، وقولكم لله ولد"؛ قالا من أبو عيسى؟ وكان لا يعجل حتى يأمره ربه، فأنـزل الله تعالى: إِنَّ مَثَلَ عِيسَى الآية.
قوله تعالى: فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ الآية 61 .
أخبرنا أبو سعد عبد الرحمن بن محمد الزمجاري، أخبرنا أحمد بن جعفر بن مالـك، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثنا أبي قال: حدثنا حسين قـال: حدثنا حماد بن سلمة، عن يونس، عن الحسن قـال: جاء راهبا نجران إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لهما: "أسلما تسلما"، فقالا قد أسلمنا قبلك، فقال: "كذبتما، يمنعكما من الإسلام ثلاث: سجودكما للصليب، وقولكما اتخذ الله ولدًا وشربكما الخمر"، فقالا ما تقول في عيسى؟ قال: فسكت النبيّ صلى الله عليه وسلم ونـزل القرآن: ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ إلى قوله: فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ الآية، فدعاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الملاعنة، وجاء بالحسن والحسين وفاطمة وأهله وولده عليهم السلام، قال: فلما خرجا من عنده قال أحدهما لصاحبه: أقرر بالجزية ولا تلاعنه، فأقرّ بالجزية، قال: فرجعا فقالا نقرّ بالجزية ولا نلاعنك فأقرا بالجزية.
أخبرني عبد الرحمن بن الحسن الحافظ فيما أذن لي في روايته حدثنا أبو حفص عمر بن أحمد الواعظ، حدثنا عبد الله بن سليمان بن الأشعث، حدثنا يحيى بن حاتم العسكري، حدثنا بشر بن مهران، حدثنا محمد بن دينار، عن داود بن أبي هند، عن الشعبي، عن جابر بن عبد الله قال: قدم وفد أهل نجران على النبيّ صلى الله عليه وسلم العاقب والسيد، فدعاهما إلى الإسلام، فقالا أسلمنا قبلك، قال: "كذبتما إن شئتما أخبرتكما بما يمنعكما من الإسلام؟" فقالا هات أنبئنا، قال: "حبّ الصليب، وشرب الخمر، وأكل لحم الخنـزير"، فدعاهما إلى الملاعنة، فوعداه على أن يغادياه بالغداة فغدا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ بيد عليّ وفاطمة وبيد الحسن والحسين، ثم أرسل إليهما فأبيا أن يجيبا، فأقرا له بالخَراج، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "والذي بعثني بالحق لو فعلا لمُطر الوادي نارًا".
قال جابر: فنـزلت فيهم هذه الآية: فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ قال الشعبي: أبناءنا: الحسن والحسين، ونساءنا: فاطمة، وأنفسنا عليّ بن أبي طالب رضي الله عنهم .