عدد الرسائل : 514 مزاجي : الاوسمه : : تاريخ التسجيل : 06/11/2008
موضوع: (( الشهادة علي الرِضـــــــاع )) الأربعاء يناير 14, 2009 11:24 am
شهادة المرأة الواحِدة مقبولة في الرِضَاع ، إذا كانت مَرضّية لِمَا رواه عُقبة بن الحارث ( أنه تزوج أم يحيي بنت أبي إهاب فجاءت أَمَةُ سوداء وقالت : قد أرضعتَكُما ، قال فذكرتُ ذلك للنبي صلي الله عليه وسلم .قال : فتنحيتُ فذكرت ذلك له، فقال : وكيف وقد زعمت أنها أرضعتَكُمَا ؟ فنهاهُ عنها ) . إحتج بهذا الحديث طاوس ، والزُهَري ، وابن أبي ذئب ، والأوزاعي ، ورواية عن أحمد. علي أن شهادة المرأة الواحدة مقبولة في الرضاع . وذهب العلماء أنه لايكفي في ذلك شهادة المُرضعة ، لأنها شهادةُ علي فعل نفسها . وقد أخرج أبو عُبيد عن عمر ، والمُغيرة بن شُعبة ، وعلي بن أبي طالب ، وابن عباس رضي الله عنهم أجمعين أنهم امتنعوا عن التفرقة بين الزوجين بذلك . فقال عمر رضي الله عنه : ( فَفَرّق بينهُمَا إن جاءت بَينة وإلا فَخَلُ بين الرجل وامرأته إلا أن يتنزهَا ) أي يتورعا . ولو فُتِحَ هذا الباب لم تشأ إمرأةُ أن تُفرِق بين زوجين إلاَ فعلت . ومذهب الأحناف أن الشهادة علي الرضاع لابد فيها من شهادة رجلين ، أو رجُلُ وامرأتين ، ولايُقبَل فيها شهادة النساء وحدَهُن ، لقول الله عز وجل : ( واستَشهِدوا شَهِيدَين مِن رِجَالِكُم فَإِن لَم يَكُونَا رَجُلَينِ فَرَجُلُ وامرَأَتَان مِمَن تَرضَون مِنَ الشُهَدَاء ) البقرة 282 . وروي البيهقي ( أن عمر رضي الله عنه أتي بامرأة شَهِدَت علي رجل وامرأته أنها أرضعتهُما ، فقال : لا ، حتي يشهد رجلان أو رجلاً وامرأتان ) . وعن الشافعي رضي الله عنه : أنه يثبُت بهذا ، وبشهادة أربع من النساء ، لأن كل إمرأتين كرجل ، ولأن النساء يطلعن علي الرِضاع غالِبَاً كالولادة . وعند مالك : تُقبل فيه شهادة إمرأتين بشَرط فشوّ قولهما بذلك قبل الشهادة .. قال بن رُشد : وحمل بعضهُم حديثُ عُقبة ابن الحارِث علي الندب جمعاً بينهُم وبين الأصول ، وهو أشبه ، وهي روايةُ عن مالِك . أبوّ زوج المُرضع للرَضيـــــــــــع : إذا أرضعت إمرأة رضيعاً صار زوجها أبّاً للرضيع ، وأخوه عَمّاً له لِمَا تقدم من حديث حُذيفة ، وحديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال : ( ائذني لأفلح أخي أبي القُعَيس فإنه عمّك ) . وكانت إمرأته أرضعت عائشة رضي الله عنها . وسُئِلَ ابن عباس عن رجل له جاريتان أرضعت إحداهما جارية والأخري غُلاَماً : أيحلُ للغُلام أن يتزوج الجارية ؟ قال : لا ، اللقاح واحدُ . وهذا رأي الأئمة الأربعة ، والأوزاعي ، والثوري . وممن قال به من الصحابة علي ، وابن عباس رضي الله عنهما . التســـــــــــاهل في أمر الرضــــــــاع : كثيرُ من الناس يتساهل في أمر الرضاع فيُرضعون الولد من امرأة أو من عدة نسوة ، دون عناية بمعرفة أولاد المُرضعة وأخواتها ، ولا أولاد زوجها من غيرها ،وإخوته ، ليعرفوا مايترتب عليهم في ذلك من الأحكام ، كَحُرمة النِكَاح ، وحقوق هذه القرابة الجديدة التي جعلها الشارع كالنسب ، فكثيراً مايتزوج الرجل أخته في الرضاع ، أو عمته ، أو خالته من الرضاعة ، وهو لايدري ، والواجب الإحتياط في هذا الأمر ، حتي لايقع الإنسان في المحظور . حِكمــــــــــة التحــــــــــريم : قال صاحب المنار في تفسيره : إن الله جعل بين الناس ضروباً من الصلة يتراحمون بها ، ويتعاونون علي دفع المضار وجلب المنافع ، وأقوي هذه الصِلاَت صِلة القرابة ، وصِلة الصِهر ، ولكل واحدةٍ من هاتين الصلَتين درجات مُتفَاوتة . فأما صِلة القرابة فأقواها مايكون بين الأولاد والوالدين من العاطفة والأَريَحيّة . فمن إكتنه السر في عطف الأب علي ولده يجد في نفسه داعيةُ فِطرية تدفعه إلي العناية بتربيته إلي أن يكون رجلُ مثله ، فهو ينظر إليه كنظره إلي بعض أعضائه ، ويعتمد عليه في مُستقبَل أيامه ، ويجد في نفس الولد شعوراً بأن أباه كان منشأ وجوده ، ومُمِد حياته ، وقوام تأديبه ، وعنوان شرفه ، وبهذا الشعور يحترم الإبن أباه ، وبتلك الرحمة والأريحية يعطف الأب علي إبنه ، ويساعده . هذا ماقاله الإمام محمد عبده . ولايخفي علي إنسان أن عاطفة الأم الوالدية أقوي من عاطفة الأب ، ورحمتها أشد من رحمته ، وحنانها أرسخ من حنانه ، لأنها أرق قلباً ، وأدق شعوراً ، وأن الولد يتكون جنيناً من دمها ، الذي هو قوام حياتها ثم يكون طفلاً يتغذي من لبنها ، فيكون له مع كل مصة من ثديها عاطفةُ جديدةُ ، يَستلّها من قلبها ، والطفل لايحب أحداً في الدنيا قبل أمه ، ثم أنه يحب أباه ، ولكن دون حُبه لأمه ، وإن كان يحترمه أشد مما يحترمها ، أفليس من الجناية علي الفِطرة أن يزاحم هذا الحب العظيم بين الوالدين والأولاد حُب إستمتاع الشهوة ، فيزحمه ويُفسِده . وهو خيرُ مافي هذه الحياة ؟ بلي ، ولأجل هذا كان تحريم نِكاح الأمهات هو الأشد المُقدَم في الآية ، ويليه تحريم البنات . ولولا ماعُهِدا في الإنسان من الجناية علي الفِطرة والعبث بها والإفساد فيها لكان لسليم الفِطرة أن يتعجب من تحريم الأمهات والبنات ، لأن فِطرته تشعر بأن النزوع إلي ذلك من قبيل المُستحيلات . وأما الإخوة والأخوات فالصِلة بينهُما تُشبه الصِلة بين الوالدين والأولاد من حيث أنهم كأعضاء الجسد الواحِد ، فإن الأخ والأخت من أصل واحد يستويان في النسبة إليه من غير تفاوت بينهُما، ثم أنهما ينشأن في حجرٍ واحد ، علي طريقة واحدة في الغالب ، وعاطفة الأخّوة بينهما مُتكَافئة ، ، ليست أقوي في أحدهما منها في الآخر ، كقوة عاطفة الأمومة والأبوة علي عاطفة البنوة ، فلهذه الأسباب يكون أنسُ أحدهما بالآخر أنسُ مساواة لايُضاهيه أنسُ لآخر ، إذلايوجد بين البشر صِلة أخري فيها هذا النوع من المساواه الكامِلة ، وعواطِف الود والثقة المُتبادلة . ويُحكي أن امرأة شفعت عند الحجاج في زوجها وابنها وأخيها ، وكان يريد قتلهم ، فشفعها في واحِدٍ منهم ، وأمرها أن تختار من يبقي ، فاختارت أخاها ، فسألها عن سبب ذلك فقالت : ( إن الأخ لاعِوَضَ له ، وقد مات الوالدان ، وأما الزوج والولد فيمكن الإعتياض عنهما بمثلهما ). فأعجبه هذا الجواب وعفا عن الثلاثة ، وقال : ( لو اختارت المرأة غير الأخ لَمَا أبقيت لها أحداً) وجملة القول : أن صِلة الأخوّة صِلة فِطرية قوية ، وأن الإخوة والأخوات لايشتهي بعضهم التمتُع ببعض ، لأن عاطفة الأخّوة تكون هي المُسيطرة علي النفس بحيث لايبقي لسواها معها موضع مَاسَمَت الفِطرة . فقضت حِكمة الشريعة بتحريم نكاح الأخت حتي يكون لمُعتّلي الفِطرة منفذُ لاستبدال داعية الشهوة بعاطِفة الأخوّة ، وأما العمات والخالات فهُنَ من طينة الأب والأم . وفي الحديث : (عمُ الرجل صنو أبيه ) أي هما كالصنوان يخرجان من أصل النخلة . ولهذا المعني الذي كانت به صلة العمومة من صلة الأبوة ، وصلة الخؤولة من صلة الأمومة - قالوا : إن تحريم الجِدات مُندَرِج في تحريم الأمهات وداخلُ فيه ، فكان من محاسِن دين الفِطرة المحافظة علي صلة العمومة والخؤولة ، والتراحم والتعاون بها ، وأن لاتنزوِ الشهوة عليها ، وذلك بتحريم نكاح العمات والخالات ، وأما بنات الأخ وبنات الأخت ، فهما من الإنسان بمنزلة بناته ، حيث أن أخاه وأخته كنفسه ، وصاحب الفِطرة السليمة يجد لهما هذه العاطفة من نفسه ، وكذا صاحب الفِطرة السقيمة ، إلا أن عاطفة هذا تكون كفِطرته في سقَمها . نعم إن عطف الرجل علي بنته يكون أقوي لكونها بِضعةُ منه ، نَمَت وترعرعت بعنايته ورعايته ، وأُنسهُ بأخيه واُخته يكون أقوي من أُنسهُ ببناتهِما ، لِما تقدم . وأما الفرق بين العمات والخالات ، وبين بنات الإخوة والأخوات ، فهو أن الحب حب عطفٍ وحنان ، والحب لأولئك حب تكريم واحترام . فهما من حيثُ البعد عن مواقع الشهوة ، مُتكَافئان ، وإنما قُدّم في النُظم الكريم ذِكرُ العمات والخالات ، لأن الإدلاء بهما من الآباء والأمهات ، فصِلتهما أشرف وأعلي من صِلة الإخوة والأخوات . هذه أنواع القرابة القريبة التي يتراحم الناس ويتعاطفون ويتوادون ويتعاونون بها وبما جعل الله لها في النفوس من الحب والحنان والعطف والإحترام ، فَحرّم الله فيها النكاح لأجل أن تتوجه عاطِفة الزوجية ومحبتها إلي من ضعفت الصلة الطبيعية أو النسبية بينهم ، كالغرباء والأجانب ، والطبقات البعيدة من سُلالة الأقارب ، كأولاد الأعمام والعمات والأخوال والخالات ، وبذلك تتجدد بين البشر قرابة الصِهر التي تكون في المودة والرحمة كقرابة النسب ، فتتسع دائرة المحبة والرحمة بين الناس ، فهذه حِكمة الشرع الروحية في مُحرمات القرابة . ثم قال : إن هُنَالِك حكمة جسدية حيوية عظيمة جداً ، وهي أن تزوج الأقارب بعضهم ببعض يكون سبباً لضعف النسل ، فإذا تسلسلت واستمرت بتسلسل الضعف والضوّي فيه إلي أن ينقطع ، ولذلك سببان : أحدهُما : وهو الذي أشار إليه الفقهاء ، أن قوة النسل تكون علي قدر قوة داعية التناسُل في الزوجين ، وهي الشهوة . وقد قالوا : إنها تكون ضعيفة بين الأقارب . وجعلوا ذلك عِلةُ لكراهية تزوج بنات العم وبنات العمة ، إلي آخره . وسبب ذلك : أن هذه الشهوة شعورُ في النفس ، يُزاحمه شعور عواطِف القرابة المُضاد له ، فإما أن يُزيله ، وإما أن يُزلزِله ويُضعفه . والسبب الثاني يعرفه الأطباءُ ، وإنما يظهر للعامة بمثال تقريبي معروف عند الفلاحين ، وهو أن الأرض التي يتكرر زرع نوع واحد من الحبوب فيها ، يُضعِف هذا الزرع فيها مرةً أُخري ، إلي أن ينقطع ، لقلة المواد التي هي قوام غذائه ، وكثرة المواد الأخري التي لايتغذي منها ، ومزاحمتها لغذائه أن يخلص له ، ولو زُرِعَ ذلك الحَبُ في أرض أخري وزُرِعَ في هذه الأرض نوعُ آخر لنما كلٍ منهما . بل ثبت عند الزراع أن إختلاف الصنف من نوعٍ واحد من أنواع البذور يُفيد ، فإذا زرعو حِنطة في أرض ، وأخذوا بذراً من غلتها فزرعوه في تلك الأرض يكون نموه ضعيفاً وغلته قليلة . وإذا أخذوا البذر من حِنطة أخري وزرعوه في تلك الأرض يكون أنمي وأزكي ، كذلك النساء حرثُ كحرث الأرض ، يُزرع فيهن الولد ، وطوائف الناس كأنواع البذار وأصنافه ، فينبغي أن يتزوج أفراد كل عشيرة من أخري ليَزكوا الولد وينجب فإن الولد يرث من مزاج أبويه ومادّة أجسادهما ، ويرث من أخلاقهما وصفاتهما الروحية ويُباينهُما في شئ من ذلك ، فالتوارث والتباين سُنتّان من سُنن الخليقة ، ينبغي أن تأخذ كل واحِدةٍ منهما حظها لأجل أن ترتقي السلائل البشرية ويتقارب الناس بعضهم ببعض ويُستَمَد بعضهم القوة والإستعداد من بعض ، والتزوج من الأقربين يُنافي ذلك . فثبت بما تقدم كله أنه ضار بدناً ونفساً ، مُنافٍ للفِطرة ، مُخِلُ بالروابط الإجتماعية ، عائق لارتقاء البشر . وقد ذكر الغزالي في الأحياء : أن الخِصال التي تُطلَب مراعتها في المرأة ألاَ تكون من القرابة القريبة . قال فإن الولد يُخلَق ضاوياً أي نحيفاً وأورد في ذلك حديثاً لا يصح .ولكن روي إبراهيم الحربي في غريب الحديث أن عمر قال لآل السائب ( إغتربوا لاتضووا ) أي تزوجوا الغرائب لئلا تجيئ أولادكم نِحافاً ضِعَافاً . وعلل ذلك الغزالي بقوله إن الشهوة تنبعث بقوة الإحساس بالنظر أو اللمس ، وإنما يقوي الإحساس بالأمر الغريب الجديد ، فأما المعهود الذي دام النظر إليه ، فإنه يضعف الحس عن تمام إدراكه والتأثر به ، ولاتنبعث به الشهوة ) حكمـــــــــــة التحريم بالرضــــــــاع : أما حكمة التحريم بالرضاعة ، فمن رحمته تعالي بنا أن وسع لنا دائرة القرابة بإلحاق الرِضاع بها ، وأن بعض بدن الرضيع يتكون من لبن المرضع ، وأنه بذلك يرث منها ولدها الذي ولدته حكمــة التحريم بالمُصاهرة : وحكمه تحريم المُحرمات بالمُصاهرة أن بنت الزوجة وأمها أولي بالتحريم ، لأن زوجة الرجل شقيقة روحه ، بل مقومة ماهيته الإنسانيه ومتممتها ، فينبغي أن تكون أمها بمنزلة أمه في الإحترام ، وُيقبَح جداً أن تكون ضُرة لها ، فإن لُحمَة المُصاهرة كالُحمة النسب .. فإذا تزوج الرجل من عشيرة صار كأحد أفرادها ، وتجددت في نفسه عاطِفة مودة جديدة لهم . فهل يكون سبباً للتغايُر والضرار بين الأم وبنتها ؟ كلا .. إن ذلك يُنافي حكمة المُصاهرة والقرابة ويكون سبب فساد العشيرة ، فالموافِق للفِطرة ، الذي تقوم به المصلحة ، هو أن تكون أم الزوجة كأم الزوج وبنتها التي في حجره كابنته من صُلبه ، وكذلك ينبغي أن تكون زوجة إبنه بمنزلة إبنته ، ويوجه لها العاطفة التي يوجهها لبنته ، كما يُنزِل الأبن زوجة أبيه منزلة أمه ، وإذا كانت رحمة الله وحكمته أن حرّم الجمع بين الأختين ومافي معناهما لتكون المُصاهرة لُحمة مودة غير مشوبة بسبب من أسباب الضِرار والنّفرة ، فكيف يُعقَل أن يُبيح نكاح من هي أقرب إلي الزوجة ، كأمها ، أو بنتها ، أو زوجة الوالد للولد ؟ وقد بين لنا أن حكمة الزواج هي سكون نفس كل من الزوجين إلي الآخر ، والمودة والرحمة بينهما وبين من يلتحم معهما بلُحمة النسب فقال : ( وَمِن آيَاتِه أَن خَلَقَ لَكُم مِن أنفُسِكُم أزوَاجَاً لِتَسكُنُوا إِلَيهَا وَجَعَلَ بينَكُمَا مَوَدَةً وَرَحمة ) الروم 21 ، فقيد سكون النفس الخاص بالزوجية ، ولم يُقيد المودة والرحمة ، لأنها تكون بين الزوجين ، ومن يلتحم معهما بلحمة النسب ، وتزداد وتقوي بالولد . وإلي لقاء آخر مع المُحرمات مؤقتاً .
مصطفى فهمي المدير العام
عدد الرسائل : 939 مزاجي : الاوسمه : : تاريخ التسجيل : 13/03/2008
موضوع: رد: (( الشهادة علي الرِضـــــــاع )) الأربعاء يناير 14, 2009 12:01 pm